ليس العيب في أن يُخطئ الإنسان، ولكن العيب أن يظل مُصرا على خطئه، ولا العيب في أن تزل قدما المرء بل العيب في أن لا يحاول الخروجَ من زلته تلك بأقل الخسائر الممكنة..وكذلك فعلت نساء مغربيات كشفن لهسبريس عن تجارب مريرة خُضنها في مساراتهن الحياتية التي اتسمت بالكثير من الزلات والهفوات، غير أنهن قررن العودة إلى الطريق الصائب.
تائبات أعلنَّ توبتهن من سلوكيات منحرفة ابتُلين بها طيلة سنوات لأسباب مختلفة، منهن من استوعبن تلك الأسباب التي أفضت بهن إلى الرجوع عن الطريق الخطأ الذي سلكنه، ومنهن من وجدن ذواتهن فجأة وقد طلقن حياة المعاصي بعد أن شعروا بصدورهن "ضيقة حرجة كأنما يصعدن في السماء" مثل ما وصفت الآية القرآنية حال الموغلين في الرذائل.
سرقة أدت إلى توبة
هاجر، في نهاية عقدها الثالث، تعترف بأن حياتها خلال سنوات عديدة كانت مختلفة تماما عما هي عليه حاليا، مضيفة في تصريحات لهسبريس بأن من يراها الآن يستحيل أن يصدق بأنها كانت ذات يوم مدمنة على ممارسة السرقة بمعية عصابة هاوية تجمع ذكورا وإناثا في أحد الأحياء الشعبية بالرباط.
وأفادت هاجر، التي أصبحت ترتدي الحجاب، بأنها كانت متخصصة في سرقة الهواتف المحمولة وحلي النساء خاصة في الحفلات والمناسبات السعيدة مثل حفلات الزفاف والعقيقية، وأيضا في بعض الأماكن الخاصة من قبيل الحمام الشعبي أو في "صالونات الحلاقة" النسائية.
وزادت المتحدثة بأنها طالما استغلت غفلة الفتيات والنساء اللائي يقبلن على قاعات الحلاقة، أو في الحمامات الشعبية وحتى الراقية منها، لتسرق هواتفهن المحمولة أو بعض حليهن الخفيفة التي يمكن السطو عليها دون إثارة الشكوك، مضيفة أنها سرعان ما كانت تختفي بعد عملياتها بأن تمتطي دراجة نارية لصديقها الذي كان يساعدها على السرقة.
وحول الأسباب التي دفعتها للتخلي عن طريق السرقة واختيار سبيل آخر بعيدا تماما عن أجواء النشل والاحتيال، أجابت هاجر بأنها كانت تقوم بذلك لأن عقلها صور لها حينئذ أنه لا يمكن أن تعيش عالة على المجتمع خاصة بعد أن صارت مُطلقة وتعيل طفلتها المعاقة.
وذات يوم، تردف التائبة، قمت بسرقة هاتف سيدة في الخمسين من عمرها كانت تستحم في أحد الحمامات الشعبية، وما زلت أتذكر ملامح وجهها جيدا، لأعلم فيما بعد أن هذه المرأة أم لطفل معاق ذهنيا، وبأنها كانت تنوي بيع هاتفها لشراء دواء لابنها المسكين، وعرفت ذلك لأنني ترددت بعد سرقتي إلى الحمام ذاته حتى لا يشك أحد في أمري.
هنا كان التحول المفصلي، تقول هاجر بأسى وحزن عميق، حيث إنها لم تنم طيلة أيام من الحسرة التي سيطرت على كل ذرة من جسدها إلى أنها سقطت مريضة أياما عديدة دون أن يعلم أحد سبب شكواها، مردفة أن "ابن المرأة المسروقة ذكّرها بطفلتها أيضا، فكان القرار بالانتقال من عالم السرقة الذي ورطها في معانقة السجن فترات من حياتها إلى عالم تطل فيه الشمس حتى لو كان صعب المراس"، تختم هاجر حديثها للموقع.
رذيلة..وحادثة..ودعاء.. فصدق
أما قصة "الكامْلة"، بدون عمل قار وفي عقدها الرابع من عمرها، فتتذكر مجريات حياتها السابقة بمرارة قصوى بسبب ما تخللها من مشاعر سلبية وسيئة هيمنت على دواخلها وأثرت على نفسيتها، بخلاف حياتها الحالية التي تنعم فيها باستقرار عاطفي ونفسي أفضل بكثير من الماضي البئيس"، وفق تعبير السيدة.
وقالت "الكاملة"، في تصريحات لهسبريس، إنها اضطرت إلى مغادرة عائلتها القادمة من أحد البوادي إلى ضواحي العاصمة الرباط قبل عدة سنوات بسبب الفقر المدقع والرغبة في تغيير حياتها إلى حال أفضل ماديا خصوصا، مشيرة إلى أن أحلامها تلك تحطمت على صخرة الواقع بشكل صادم.
وشرحت المتحدثة بأنها لم تجد في المدينة سوى واقعا رماديا لا يحيل على الرحمة والشفقة، حتى أنها لم تعثر على عمل بسيط في الحي الصناعي في حي اليوسفية إلا بجهد جهيد، موضحة انه كان عملا مشوبا بكثير من القذارة بسبب كثرة التحرشات الجنسية من طرف زملائها ورؤسائها خاصة في العمل.
وعندما رفضت مواعيد وإغراءات ممارسة الجنس معها تم طردها شر طردة، تضيف الكاملة، فكان الشارع هو مأواها بكل قساوته وفظاظته التي لا يمكن التعايش معها سوى بأن يتكيف الإنسان معها بكل ما يملك من أدوات ووسائل ومهما تواضعت الأهداف، تقول المرأة.
ولشرح ما تقصده من كلامه، أفادت الكاملة بأنها دخلت عالم الدعارة من أوسع أبوابه بسبب مساعدة صديقات لها كن يكترين معها إحدى الغرف فوق السطوح، وأيضا بفضل قوامها الرشيق وملامح وجهها البدوي الصبوح الذي لم تنل منه المدنية والحضارة المادية الشيء الكثير، فكانت أكثر الفتيات طلبا وإقبالا عليها.
وتتذكر المتحدثة السبب المباشر الذي دفعها لتطليق حياتها هذه التي تقر بأنها كسبت منها مالا وفيرا، لكن أيضا ذلا ومهانة لا توصفان، حيث إنها تفاجأت ذات ليلة من الليالي الحمراء الآثمة قضتها مع شاب وسيم وقوي البنية بأن "زبونها" سقط مغشيا عليه وهو يركب جسدها، فما كان منها في تلك اللحظة الحاسمة إلا أن رفعت يدها لخالقها بأن يفك ورطتها تلك، وأن لا يفضحها ولا يعرضها للسجن، ووعدته بأن تتوب وتطلق عالم الدعارة طلاقا بائنا.
ولم تمض دقائق قليلة مرت عليها كأنه الدهر كله، تردف التائبة، حتى استفاق الزبون من "موتته" المفاجئة وهو مصفر الوجه وبتثاقل كبير، فطلبتُ منه أن يتركني أذهب لحال سبيلي وأنا أبكي بحرقة لم أبك مثلها من قبل في حياتي، وقد قررت الإيفاء بوعدي الذي قطعته مع الله في أحلك لحظات حياتي حين اقترب ذلك الشخص من الوقوع ميتا فوق جسدي، وما يتبع ذلك من مشاكل أمنية كبيرة".
ضياع السعادة
أما إلهام، في الثلاثين من عمرها، فلا تتذكر سببا واضحا دفعها للعدول عن الاستمرار في عالم المخدرات والخمور، استهلاكا ومتاجرة أحيانا أخرى، غير أنها متاكدة بأن حياتها بعد التوبة غير حياتها قبلها، من جميع النواحي خاصة منها النفسية والروحية.
وتقول هذه العائدة من طريق المخدرات، في تصريحات لهسبريس، إنها كانت منغمسة بشكل كبير في أجواء المخدرات والكحول حيث وجدت فيها ضالتها خلال فترة من حياتها، لتنسى مشاكلها العائلية التي كانت تتسم بالمشاجرات المستمرة للوالدين التي انتهت بالطلاق بينهما.
وزادت إلهام بأنها جربت شيئا من الحياة وراء قضبان السجون عندما ضُبطت وهي تبتاع قليلا من الحشيشي في أحد الزوايا المظلمة وسط حيها الشعبي الذي تقطن فيه بالرباط، ولا تخفي بأنها استأنست بتلك الحياة داخل السجون وأحبت الظهور أمام الناس بأنها "واعرة" فلا يكاد قتر بمنها أحد، فصارت لها هيبة داخل الحي ومحيطه أيضا.
غير أن كل هذا لم يكن يملأ قلب إلهام، ولم يعطها السعادة التي كانت تنشدها من خلال تدخين لفائف المخدرات أو تذوق قنينات الخمر الرخيصة، فباتت تبحث عن الخلاص في مكان آخر، وجربت من تلقاء ذاتها أن تبتعد عن أوكار المخدرات وأصدقاء هذا العالم الخطير، وبدأت ببيع المتلاشيات في أحد الأسواق الشعبية، فكان ذلك منطلقا لها للهروب من براثن المخدرات إلى عالم ربما يكون أكثر نظافة وأمنا.
صمام أمان
وتعلق الباحثة في علم الاجتماع ابتسام العوفير على "توبة" مثل هذه النماذج النسائية بالقول في تصريحات لهسبريس بأن الانتقال من مسار حياتي إلى مسار مختلف غالبا ما يكون مشمولا بتغيرات وتحولات نفسية واجتماعية هامة تكون أسبابا ونتائج أيضا.
واستطردت العوفير بأن ما يقال إنها توبة عدد من السناء ـ كما الرجال أيضا ـ غالبا ما تكون مدفوعة بالرغبة في التغيير من حال على حال يعتقد التائب أو التائبة بأنها ستكون من سيء إلى حسن وفق وضعيته الاجتماعية ورؤيته العقدية أيضا، فمثلا الذي لا يقيم وزنا للدين لن يعتبر تراجعه عن بيع المخدرات، أو من اعتادت على بيع جسدها لن تعتبر توقفها عن تلك الممارسات "توبة" بالمعنى الديني للكلمة.
ولكن المؤكد أن هذه "التوبة" إن صح التعبير، تردف الأخصائية، هي تعبير عن رغبة دفينة من الشخص "التائب" من مراجعة حساباته التي وجدها لا ترضي كيانه ولا طموحاته، مشيرة إلى أن في كثير من الأحيان تكون وراء تلك التحولات أسباب غير مباشرة لا يلقي إليها الشخص البال لكنها تكون ذات اهمية كبيرة في تحولات تمس حياته ككل.
وبدوره، يرى الباحث الأسري عمر السماط في تصريح لهسبريس، بأن الأسرة عامل حاسم في توبة العديد من النساء وحتى الرجال، لافتا إلى أن غياب تواجد الأسرة كنواة رئيسة في حياة الشخص قد تدفعه لخوض تجارب حياتية مريرة؛ منها الانخراط في عوالم الرذيلة أو الجرائم، لكن وجودها بقوة تكون صمام أمان إزاء كل تلك الآفات.
وأردف السماط بأن التوبة غالبا ما تعني عودة الشارد أو العاصي أو الزائغ عن الطريق الصحيح إلى حضن أسرته، فالتي كانت مثلا تمارس الفاحشة أو الدعارة إنما تقوم بذلك في أغلب الأحيان ضدا على مباركة وموافقة العائلة، لكنها حين تقرر التوبة والرجوع عن ما تقترفه غالبا ما تستقبلها الأسرة من جديد، لتؤمن لها توبتها وقد تفرح لرجوعها إلى جادة الصواب وفق رؤية الأسرة.