الأحد 20 ماي 2012 - 23:39
اليونان، بلد قد لا يعرفه المغاربة سوى أنه موطن الإغريق، فحكم سقراط وكلمات أرسطو ربما أنها أكثر شيء يتردد إلى ذهن المغربي عندما يسمع باليونان، وربما أن هناك بعض المغاربة ممن لا يذكرون هذا البلد إلا ويذكرون معه الأزمة الاقتصادية التي يعيشها حاليا والتي جعلته يتصدر الأخبار الاقتصادية ففي أكثر من مرة..
لكن، علاقة اليونان بالمغرب أكبر من ذلك بكثير، فقد تحول منذ سنوات لنقطة التقاء عدد من المغاربة، ليس لجمال طبيعته، أو لعبق تاريخه، أو لإمكانياته الاقتصادية الآخذة في الانحسار، ولكن لأنه بلد يشكل نقطة عبور نحو بلدان أوربا الراقية، أو لنقل أنه البوابة السرية الأخرى لأوروبا غير تلك التي يقصدها "الحراكة" عبر مضيق طنجة..
الكثير تحذوه الرغبة في خوض مغامرة اليونان، والقليل من يقدم عليها، وقلة من القليل ممن ينجون من الموت غرقا في بحر إيجة الرابط بين تركيا واليونان..
كيف يعيش "الحراكة" المغاربة في اليونان؟ كيف يتدبرون معيشتهم في بلد ضاق حتى بأصحابه؟ ولماذا اختار الكثير من المغاربة اليونان للانطلاق نحو بلدان أحلامهم؟ وما هي المخاطر التي يعيشها المهاجر السري المغربي الذي يعتبر واحدا من الزبناء المفضلين لمافيات الهجرة الغير الشرعية؟
هسبريس تصحبكم في رحلة مثيرة..لاكتشاف مسار "حراكٌة" اليونان..من استخدموا الجو والبر والبحر من أجل الوصول إلى وجهات أحلامهم..
جواد..رحلة حقق فيها الأهم
"اليونان هي النقطة الكحلة بأوربا".. كانت تلك أول كلمات جواد الذي التقيناه في إحدى مقاهي مدينة الدار البيضاء، والذي رغم تحقيقه لحلم حياته بالزواج من ألمانية والاستقرار بألمانيا، إلا أن التجربة المريرة التي عاشها في اليونان، لا زالت عالقة بعقله رافضة الانسحاب.
جواد البالغ من العمر 30 سنة، كان يعمل حلاقا بالمغرب، ورغم أنه كان لديه العديد من الزبناء الأوفياء نظرا لحسن عمله وتعامله، إلا أنه كان يمني النفس دائما بالاستقرار بألمانيا، أمنيته جعلته يدرس اللغة الألمانية بشكل ذاتي، فرغم أن مستواه الدراسي لم يتجاوز التاسعة أساسي، إلا أن ذلك لم يمنعه من اكتساب لغة قلما يقبل عليها المغاربة.
في صيف 2008، توجه جواد إلى تركيا برحلة لم تكلفه سوى 6000 درهم وجواز سفر، كان على تخطيط مسبق مع أحد "الحراكٌة" الذي قال له بأنه ينتظره على الحدود التركية-اليونانية، بمجرد وصوله لمطار اسطنبول، أخذ جواد أول حافلة، واتجه نحو مدينة متاخمة للحدود اليونانية، حيث قضى 3 أيام، ثم حان اليوم الموعود، وهو الركوب في مركب يعبر به تركيا نحو اليونان عبر بحر إيجة.
"ما ركبتش فلوكة..ولكن ركبت الموت"..يتذكر جواد ذلك اليوم كما لو أنه فقط البارحة، فلقد وجد في انتظاره من ينظم عملية العبور السرية، و مركب صغير مسطح مصنوع من البلاستيك يسمى ب"الزودياك"، كانوا حوالي 29 شخصا يريد العبور، من جنسيات مختلفة: العراق، سوريا، الصومال، ومغربيان، وما أثار انتباهه هو وجود أطفال صغار رفقة أمهاتهم.
استمرت الرحلة ساعات طويلة، وأثناءها طل شبح الموت أكثر من مرة، حيث هاج البحر وغمرت المياه المركب لدرجة أن "جواد" وصل الماء لحد رقبته، بقي على هذا الوضع زهاء 4 ساعات، ولو أنه أكمل ساعات أخرى لمات متجمدا من البرد القارس الذي يستعمر أعالي البحار، والذي يصل لأكثر من 30 درجة تحت الصفر، غير أن الأقدار حنت على ذلك المركب الذي وصل إلى اليابسة سليما، وأثناء سفرهم، أخبرهم زميل في العملية، أن المركب السابق غرق ومات كل من كان على متنه، وعلم جواد فيما بعد أن نفس المصير لاقاه المركب الذي أتى بعدهم، " ملي نجيت من الموت..حمدت الله وعرفت بلي حتا حاجة فالدنيا مكتسوى حياة الإنسان"..يقول جواد.
بعد وصوله لليونان، سكن لمدة قصيرة عند الذي خطط معه للعملية والذي تعرف عليه منذ أن كان في المغرب حيث سبق أن أخبره بأن اليونان بلد جد متقدم وأحسن حتى من فرنسا، كما أن هذا الرجل هو الذي يستقبل الشباب المغاربة بعدما يتكفل بعملية عبورهم من تركيا لليونان، وبالأيام الأولى من مقامهم في الديار اليونانية، حيث يطلب مبلغا يصل إلى 3 ملايين سنتيم نظير أتعابه، ويتم أداؤها قبل ركوب المركب.
لم يجد جواد ما كان يحلم به، ولا ما كان يقوله من استقبله، انتقل للسكن مع 10 أشخاص في منزل واحد، وبقي قرابة 3 أشهر دون عمل، حيث كان العمل نادرا جدا في أثينا، وحتى إن وجد فهو عمل شاق ومضن، لذلك لم يجد جواد حلا غير الاشتغال في الصباغة، وفي أشغال البناء الشاقة التي تستمر ل 12 ساعة، وبأجر لا يتجاوز 25 أورو لليوم الواحد، وزاد من شقاء الظروف رغبته بالتوفير للانتقال لبلد أحلامه ألمانيا، فكان يقتات اليوم بطوله على خبزة تساوي هناك "أورو واحد"، ويحاول ما أمكن صرف 20 أورو في الأسبوع كأقصى تقدير.
بعد حوالي سنتين من الألم، استطاع جواد أن يجمع مبلغا محترما من المال مكنه من شراء جواز سفر فرنسي مزور من شخص سوداني، إضافة لثمن الطائرة، وفي المطار، استطاع جواد أن ينجو من شك الشرطة نظرا لأنه يتحدث الألمانية بطلاقة، وأيضا لأن منظره لا يوحي بأنه عربي بشكل كبير، ليصل بعد ذلك إلى فرانكفورت، فيلتقي بالتي ستتزوجه فيما بعد وتساعده على الاستقرار بشكل شرعي في ألمانيا.
"أمونيا"..منطقة الموت باليونان..
ربما لا توجد مثل هذه المناطق سوى في أفلام المافيا والجريمة التي تقدمها هوليود، "أمونيا" أو "سوق الحرامية" كما يقال هناك، هي وطن الإجرام في مدينة أثينا، يعجز البوليس اليوناني عن اقتحامها، يسيطر عليها المغاربة والجزائريين والأكراد، وتجد فيها كل أنواع الأعمال الغير الشرعية، المخدرات، الدعارةّ، الجريمة المنظمة..وتعرف بكونها المكان الوحيد الذي تجد فيه أي شيء تريد شراءه بما في ذلك اللحم البشري..
أكثر ما تعرف به أمونيا، هي كونها منبع جوازات السفر المزورة، ففي هذا المكان بالضبط، يمكن للإنسان أن يجد أي جواز يريد حتى ولو كان جواز أمريكيا.
بين الفينة والأخرى، تحدث فيها عدد من المواجهات الدامية بين العرب والأكراد، آخرها قتل فيها تونسي.
المغاربة الذكور في اليونان ككل ينقسمون لطبقتين، طبقة تمتهن أعمال حرة مثل البناء والصباغة وتنظيف الحدائق، وطبقة أخرى تشتهر بسرقة المحلات التجارية والسيارات، لا ينافسهم في ذلك الجزائريين والتونسيين، وهي الطبقة التي تعيش منطقة أمونيا.
فيديو: جزائريون في سوق الحرامية:
مغاربة عادوا من حيث أتوا..وآخرون ينتظرون فرصة الهرب لأوربا..
حكى لنا جواد عن محمد، عمره 50 سنة، ولسنوات وهو يعيش في اليونان بعد أن ترك أبناءه في المغرب متمنيا أن يلحقوا به يوما ما بعدما تتحسن وضعيته التي لم تتحسن أبدا، حاول أكثر من مرة الهجرة نحو بلد أوربي اخر، إلا أنه كان دائما يفشل في ذلك، فبقي عالقا في اليونان، وتحول لشبه شحاذ يتسول ما يأكل من الأصدقاء والناس، ولا يأكل سوى من الكنائس التي تقدم الأكل المجاني.
"مسكين..عايش تما كيف شي طلاب.."فمحمد، لم يعد قادرا على العمل بعد إصابته بعدد من الأمراض، كما أنه لا يستطيع طلب المساعدة الطبية لأنه مقيم غير شرعي، فصار يعيش في بيت مهجور لا وجود فيه للماء ولا للكهرباء، أخباره لا تصل لعائلته بكيفية مستمرة، وهي العائلة التي لا زالت تنتظر ذلك اليوم الذي يعود فيه للبيت عوض الاستمرار في مغازلة حلم صار بعيد التحقق.
حكى لنا جواد كذلك عن رشيد، شاب في بدايات الثلاثينيات، أتى هو الآخر عبر بوابة تركيا، بقي في العاصمة اليونانية قرابة 6 أشهر يبحث عن عمل دون فائدة، وحتى عندما يعمل لا يتجاوز يوما أو يومان نظرا لضعف بنيته الجسدية وعدم قدرته على التحمل، وعوض أن يرسل لعائلته النقود التي وعدهم بها، صاروا هم من يساعدونه كل شهر، حتى أخبره والده بأن لا يستطيع إرسال أي شيء له مجددا، ليعود رشيد بعد ذلك إلى المغرب، ورغم ذلك، فقد أخبرنا جواد أنه لا يزال يصمم على العودة مجددا وتجريب حظه من جديد.
السلطات اليونانية ومحاولة الحد من الهجرة
عندما يصل أي مهاجر مغربي إلى تركيا، و تتجاوز مدة إقامته المدة المصرح له بها في جواز السفر، فعليه أن يحاول ما أمكن تفادي الوقوع في أيدي الشرطة، لأن هذه الأخيرة لا ترحم في تركيا، وتعتدي بالضرب القاسي على أي مهاجر خاصة القادمين من شمال إفريقيا، لترسلهم بعد ذلك لبلدانهم.
في اليونان، الوضع يختلف بشكل فظيع، فما إن يقع مهاجر سري في يد الشرطة، حتى تقوم بسجنه لمدة تصل ل 6 أشهر في أماكن تسمى بمراكز الاستقبال، ظروف الإقامة في هذه المراكز قاسية للغاية، غرف صغيرة لا تتجاوز 3 أمتار على أقصى تقدير، وجبتان يوميا ضعيفتان من حيث الكم والكيف، وباب موصد طوال ساعات اليوم وطوال أيام الأسبوع.
بعد انتهاء مدة الاحتجاز، تجبر السلطات اليونانية المهاجرين على مغادرة البلد، غير أن الكثير من المهاجرين يعمدون لحلول أخرى، فهم يتجولون ببطائق مزورة تتحدث على أنهم من بلدان تشهد نزاعا كفلسطين، العراق، وأفغانستان ، وبالتالي فلهم حق اللجوء السياسي، حيث لا تحتجزهم الشرطة سوى لأيام معدودات تعطيهم بعدها بطائق إقامة تتجدد باستمرار.
صبري الحو(محام مغربي وخبير دولي في قضايا الهجرة): السلطات المغربية لا يعنيها سوى المهاجرون الجالبون للعملة الصعبة
لماذا صار الكثير من المهاجرين غير القانونيين يغيرون مسار الهجرة التقليدي عبر مضيق جبل طارق إلى مسار جديد عبر تركيا؟
هناك عدد من الأسباب لهذا الأمر، فالمسار التقليدي الذي ينطلق من السواحل الشمالية للمغرب ومع تشديد المراقبة جوا وبحرا من الاتحاد الأوربي والمغرب، صار مسارا غير مثمرا، خاصة وأن اسبانيا ضاعفت من المراقبة بسبب الأزمة الاقتصادية، فتحول المغرب بسبب اتفاقياته مع الاتحاد الأوربي إلى ذلك الشرطي الحامي لأوروبا من الهجرة السرية.
ومن الأسباب كذلك سهولة زيارة الأراضي التركية، فهي لا تشترط سوى جواز سفر، إضافة لعدم تشديد المراقبة على النقطة البحرية بين تركيا واليونان.
اختيار اليونان ليس هدفا عشوائيا، فهي عضو في الاتحاد الأوربي، وعبر اتفاقية حرية التنقل في الاتحاد الأوربي، فالمهاجر السري باليونان من الممكن له ان ينتقل لأي بلد أراد، لأن اليونان تبقى في النهاية مجرد نقطة عبور نحو بلدان أخرى كألمانيا وإيطاليا والسويد وليست هدفا للمغاربة، لكن رغم كل هذا فتغيير المسار نحو اليونان يبقى أكثر كلفة وأكثر إرهاقا وأكثر خطورة.
ألا يوجد سبب آخر متمثل في كون المغاربة يريدون تجريب حظهم في بلدان أوربية جديدة عكس الوجهات التقليدية كفرنسا واسبانيا وإيطاليا؟
ليس إلى حد بعيد، فالكثير من المغاربة الذين يهاجرون سرا إلى اليونان، يتسللون إلى إيطاليا القريبة من اليونان،غير أنه فعلا هناك من يتوجه لبلدان أوربا الشرقية كبلغاريا وألبانيا، وهناك حتى من يبقى في اليونان بصفة دائمة لا سيما مع فشل مخطط الهجرة للبلدان الأوربية الغنية التي صعبت من مأمورية اندماج المهاجرين السريين.
هل صحيح أن هناك من المغاربة من يطلب حق اللجوء السياسي باليونان؟
المغاربة عندما يطلبون هذا الحق لا يطلبونه باسمهم المغربي ولكن بجوازات سفر عراقية، فالمغربي يغير هويته ويصير عراقيا في اليونان للحصول على حق اللجوء الذين يمكن المهاجر من توطينه في بلدان أوربية غنية، غير أن اليونان لا توافق سوى على 0.5 في المائة من طلبات اللجوء الرسمية والدائمة، وهناك الكثير من المغاربة الذين يدفعون طلب اللجوء فقط للاستفادة من مدة دراسة الملف التي قد تطول، مما يوفر لهم غطاءا قانونيا للتجول بأريحية والانتقال إلى دول أوربية أخرى.
أخبرنا بعض المهاجرين السريين باليونان عن وفاة العشرات من المغاربة أثناء الانتقال البحري من تركيا إلى اليونان، ألا تعلم السلطات المغربية بالأمر؟
هناك مشكل يجب الحديث عنه هو أن العديد من المهاجرين السريين يمزقون أرواقهم الثبوتية الوطنية قبل الانطلاق، مما يجعل من الصعب جدا التعرف على هوية المهاجرين الغرقى، غير أنه وللأسف الشديد، فحماية المغاربة المقيمين بالخارج تبقى ضعيفة ولا تخرج عن الاختصاص التقليدي للقنصليات والسفارات من تجديد للأوراق الثبوتية فقط، والسلطات المغربية لا تعتني بمغاربة الخارج، ولا تقدم لهم يد المساعدة حتى ولو كانوا مهاجرين قانونيين فما بالك إن كانوا سريين، كما أنها لا تدري شيئا عن المغاربة الذي يغرقون في ال 14 كيلومترا التي تفصل المغرب عن اسبانيا، فبالأحرى أن تعلم عمن يغرق في مياه بحر إيجي، وحتى عندما تعلم لا تقوم بأي شيء.
هل تحقق الحلم؟
"نقدر نقول حققت حلمي..حيت عندي الزهر أما اصحابي حتا واحد فيهم ما حقو.." بهذه الكلمات يجيبنا جواد عن ذلك السؤال، والحزن يغلف عيناه، فلا زالت ذكريات أليمة تسكن أعماقه رافضة الانسحاب، كما أن غصة فشل أصدقاءه لم تترك له فرصة الفرح كثيرا بتحقيق حلمه..
جواد يفكر حاليا بالعودة قريبا إلى المغرب نهائيا، لا يريد أن تتجاوز سنواته في الغربة الكثير، ففي النهاية، لم يكن زواجه بألمانية عن حب، إنما فقط رغبة في شرعنة وجوده بألمانيا، وهو ما يزيد من ألمه أن يخدع امرأة بدافع حب غير موجود..
لكن نظرات بعض شباب حيه إلى تلك السيارة التي قدم بها –والتي اكتراها- وإلى ملابسه البهية، لا تجعلهم يقتنعون بكلامه حول صعوبة العيش هناك، فهم مصممون على "الحريك" في أول فرصة يجدونها..حتى ولو كانت "اليونان" هي الجحيم بعينه..
0 التعليقات:
Enregistrer un commentaire