jeudi 24 mai 2012

تحليل إخباري: الشَّرعيةُ الدِّينيَّة أنقذتِ الملكياتِ العرَبية


تحليل إخباري: الشَّرعيةُ الدِّينيَّة أنقذتِ الملكياتِ العرَبية
يقدم أستاذ العلوم السياسية بالجامعة العبرية شلومو أفينري، الذي شغل منصب وزير الشؤون الخارجية في الحكومة الأولى لإسحاق رابين، فيما يلِي تحليلاً معمَّقاً لمجريات الثورة في الربيع العربي والسيناريوهات المرتقبة في القريب العاجل.
ظاهرتان اثنتان أصبحتا تفرضان نفسهما في منطقة الشرق الأوسط منذ اندلاع الربيع العربي، إحداهما أرست دعائمها، والأخرى آخذة في التبلور. إذ تم وللمرة الأولى في التاريخ العربي الحديث إسقاطُ زعماء مستبدين، وزعزعة آخرين عبر احتجاجات شعبية لا عن طريق انقلابات عسكرية كما كان يحدث في الماضي.
وإنه لمن شأن أمور لم تحصل بعد أن تكون على درجة من الأهمية بحيث تفوق قيمة أحداث تمت معايشتها سلفاً، فإذا كانت الأنظمة المرتبطة بحكم العسكر قد اهتزت بين عشية وضحاها فإن الربيع العربي لم يطل بعد الملكيات المحافظة بالمنطقة. إذ أن الأنظمة الملكية في المغرب والأردن والمملكة العربية السعودية (باستثناء البحرين) لازالت ممسكة بزمام الأمور، مع أن النظام السعودي يظل أكثر قمعاً في عدة مناحِ إذا ما قورنَ بالنظامين السابقين في تونس ومصْر.
وإن كان ريع البترول قد لعب بكل تأكيد دوراً في حماية الحكم الاستبدادي، فإن هذا العامل غير متوفر في المغرب والأردن، بشكلٍ يبدو معه أن الأنظمة الملكية تتمتع بشكل استبدادي لم يحظ به الحكام القوميون والعلمانيون. وبما يجعل ملكي المغرب والأردن باعتبارهما سليلي النبي، والعاهل السعودي بصفته خادماً للحرمين الشريفين، يحظون بشرعية مقترنة بشكل مباشر بالإسلام.
لقد كانت الأسرة المالكة بالبحرين والتي تهيمن على الأغلبية الشيعية بالبلاد الوحيدة التي تعرضت لتهديد حقيقي إبان الربيع العربي، ولعل ذلك السبب هو الوحيد الذي أشعل فتيل حراك تم إخماده بعنفٍ ضارٍ بفضل الدعم العسكري السعودي.
ورغم كل النجاح الذي حققته الاحتجاجات بميدان التحرير في القاهرة بإسقاطها للنظام خلال أسابيع معدودة، يبقى التحول إلى ديقمراطية قوية وفعالة أمراً آخر وعملية طويلة، ونتائجها كما تتبدى من خلال الانتقال إلى ما مرحلة بعد الشيوعية بأوربا الشرقية تستلزم شروطاً مسبقة وعصيبة.
إذ يتعين أن تتوفر مجموعة من الشروط، المتمثلة في وجود مجتمع مدني فعال وقوي كالذي كان في بولونيا، إلى جانب ثقافة تعددية عريقة وتمثيلية وتسامح، كما هو الشأن بالنسبة لجمهورية التشيك حيث كان الانتقال منسجما شيئاً ما. وحينما تغيب تلك الشروط كما هو الأمر في حالتي روسيا وأوكرانيا فإن ذلك يفرز نتائج إشكالية.
يمكن القول هنا، إن الأفق الواعد لبلد كمصر لن ترسمه صور السي إن إن أو الجزيرة، أو جماعة من الشباب المكونين بشكل جيد والذين يتحدثون بالانجليزية ويتصلون بفيسبوك وتويتر، فجل المصريين لم يعتمدوا على ميدان التحرير، لأن عدداً كبيراً منهم يعيش دون الكهرباء والماء الشروب، ولا تربطهم علاقة قوية بوسائط التواصل الاجتماعي، والديمقراطية وحرية التعبير ليستا بالأمور التي تقض مضجعهم.
إن الأغلبية الصامتة في مصر تجد ضالتها الهوياتية في شكل المحافظة والأصالة الذي تمثله الجماعات الإسلامية، فيما تبدو لها المبادئ الديمقراطية والحقوق المدنية مفاهيمَ مجردة تم استيرادها من الغرب. بما لا يسترعي الاندهاش أمام الفوز الكاسح لجماعة الإخوان المسلمين وحزب النور بمصر، وحركة النهضة بتونس. ونفس السيناريو يمكن أن يتكرر في سوريا إذا ما فقد بشار الأسد السلطة. فحالتا ليبيا ما بعد القذافي ويمن ما بعد صالح على سبيل المثال تظهران الصعوبات التي تعوق بناء نظام ديمقراطي متماسك.
ثم إن نظرة على السيناريوهات المرتقبة بمصر لا يمكن أن تستبعد احتمال إيجاد كل من العسكر والإخوان المسلمين صيغة لتقاسم السلطة. والنظرة الديمقراطية للإخوان قد تقبل بأي شيء سوى الليبرالية، في الوقت الذي ترى في الحصول على الأغلبية الانتخابية سبيلاً للحكم وفق مبادئها. أما حقوق الأقليات أو القوى الدستورية المضادة في السلطة، علاوة على مظاهر الليبرالية والديمقراطية فتبقى مغيبة.
وجدير بالذكر أن هناك بعداً آخر أساسياً يتعلق بالتغيرات الحالية وبالتطورات التي قد تطرأ في المستقبل، وهو أن الحدود الدولية بالشرق الأوسط ومنطقة شمال إفريقيا قد تم رسمها من قبل القوى الامبيريالية (بريطانيا وفرنسا وإيطاليا) سواء بعد الحرب العالمية الأولى وتفكك الامبراطورية العثمانية (اتفاقية سايس بيكو) أو قبل ذلك. كما حدث بليبيا والسودان. وفي كل الحالات تبقى تلك الحدود غير متماهية مع رغبات الشعوب أو مع الحدود الإثنية التاريخية.
وإن من شأن الاختلاف الاثني والطائفية الدينية بين السنة والعلويين والدروز والمسيحيين والأكراد أن يهددا وحدة البلاد، بشكل بغدو معه الأسد على حق وتستحيل قبضته الحديدية كفيلة دون سواها بالمحافظة على وحدة البلاد. في ظل احتمال إلقاء التطورات في سوريا بظلها على البلد الجار "لبنان".
لقد خلف سقوط الأنظمة الاستبدادية الشيوعية في الاتحاد السوفياتي فراغاً مهولاً في الدول الجديدة كما حصل في يوغوسلافيا والتشيك على سبيل المثال، وعليه وجب عدم التعجب أمام استتباع دمقرطة العالم العربي رغم المهمة الصعبة لإعادة رسم الحدود، والأهم يكمن فيما إذا كان الأمر سيتم بعنف أو بشكل سلمي.

0 التعليقات:

Enregistrer un commentaire