lundi 28 mai 2012

الإصلاح الديني في المغرب تحت مطرقة "منبر مؤمنون بلا حدود"


الإصلاح الديني في المغرب تحت مطرقة "منبر مؤمنون بلا حدود"
متعة معرفية لا تقدر بثمن تلك التي عايشناها طيلة ثلاثة أيام بالمحمدية، على هامش المشاركة في أشغال ورش مغلق يحمل عنوانا مستفزا عند البعض، أو أعز ما يُطلب عند البعض الآخر: "الإصلاح الديني والتغيير الثقافي.. نحو رؤية إنسانية"، وأشرفت على تنظيمه مؤسسة "منبر مؤمنون بلا حدود". (من 18 إلى 20 ماي الجاري).
وأصل الحكاية، أن المؤسسة أجرت العديد من الاتصالات مع بعض الباحثين والكتاب المغاربة منذ مطلع العام الجاري بهدف المشاركة في هذا اللقاء، الذي تم توزيع محاوره على أربعة عناوين جاءت كالتالي:
1ــ المرجعية الإسلامية وعلاقتها بالدولة المدنية والديمقراطية ورهانات الإسلام السياسي؛ (وعرفت مشاركة الأسماء التالية، حسب الترتيب الذي جاء في البرنامج الرسمي: رجاء مكاوي، رشيد مقتدر، مولاي أحمد صابر، محمد الكوخي، عبد الله هداري، منتصر حمادة)
2 ــ رهانات الإصلاح الديني من الانغلاق والخصوصية نحو نزعة إنسانية منفتحة؛ (خالد حاجي، سعيد شبار، إبراهيم مشروح، ميادة كيالي، الحسن حما، عبد الله إدلكوس، عبد العزيز راجل)
3 ــ الإصلاح الديني في المغرب.. الواقع والإشكالات والمتطلبات؛ (نادية الشرقاوي، مصطفى تاج الدين، عبد الوافي مدفون، عبد العالي المتقي، يوسف بناصر، يوسف هريمة، مولاي محمد الإسماعيلي)
4 ــ وأخيرا، محور مصادر المعرفة الدينية.. مناهج وأدوات النقد والتجديد والمشاريع الفكرية. (محمد همام، نادية العروسي، هشام رشيد، يونس الوكيلي، عبد اللطيف طريب، إبراهيم أمهال، سعاد رجاد، محمد الطويل)
أشادت اللجنة المنظمة (ونخص بالذكر الثنائي محمد العاني ويونس قنديل) في أكثر من مناسبة بجدية العديد من أعمال الباحثين المغاربة، وبعضهم كان مشاركا في أشغال الندوة/الورش، واعتبرت أن هذا المعطى لوحده (ضمن معطيات أخرى اتضحت أثناء المحاضرات والورشات)، يشفع لها تنظيم أول لقاء علمي بعد التأسيس انطلاق من المغرب، وليس في أي بلد آخر.
من القواسم المشتركة التي مَيّزت الأسماء المشاركة، أن حوالي ثلاث أرباع الحضور، مرَّ سابقا من تجربة إسلامية حركية، وأصبح اليوم ينهل في خطابه النقدي من ذات المرجعية الإسلامية الشاملة، وليس الإسلامية الفكرانية/الإيديولوجية التي تعتبر أن أحقية النطق باسم القيم الإسلام، لا تخرج عن الانتماء لهذه الحركة الإسلامية أو هذا الحزب الإسلامي..
من بين أهم القواسم المشتركة، نجد على الخصوص إصرار هذه الأقلام على احترام مقتضيات المطرقة النقدية اتجاه الجميع، بما في ذلك الأعضاء المشاركون، وقد تَبيّنَ هذا المعطى أثناء النقاشات التي تلت المحاضرات، وأيضا، أثناء النقاش الذي جرى في ثنايا الورشات الثلاث، ولا تنقصنا الأمثلة في هذا الصدد، ويكفي دلالات مشاركة الثلاثي النقدي: محمد همام والمصطفى تاج الدين وإبراهيم أمهال، حتى يأخذ المتتبع فكرة عن طبيعة النقاشات التي جرت طيلة ثلاثة أيام من هذا "العرس المعرفي".
وعندما نتحدث عن توجيه النقد ضد الجميع، فنقصد تقييم أبرز المشاريع الإصلاحية في مجالنا التداولي الإسلامي، سواء كانت صادرة عن مؤسسات دينية رسمية، كما تطرقنا إلى ذلك في مداخلتنا، أو مشاريع الحركات الإسلامية (دعوية أو سياسية أو "جهادية)، أو صادرة عن أقلام أهل "الإسلام النظري"، بتعبير عبد الإله بلقزيز في أحد مؤلفاته المخصصة لهذا الموضوع.
وضمن لائحة أهل "الإسلام النظري"، نجد مثلا مشاريع محمد عابد الجابري ومحمد أركون وطه عبد الرحمن ومحمد أبو القاسم حاج حمد ومالك بني نبي وطه جابر العلواني وغيرهم كثير بالطبع. (واضح أن أغلب قواعد الحركات الإسلامية التي طرقت باب أعمال هذه الأسماء، تصبح مهددة بتطليق الانتماء الإسلامي الحركي، وهذا ما جرى بالتحديد مع ما يُصطلح عليه في الحالة المغربية عند أهل "تيار أكادير"، والذي أنجب أقلاما وازنة اليوم، بسبب نهلها المعرفي من أدبيات تلك الأسماء الوازنة، وبالتالي، كان متوقعا أن تُطلق الانتماء الحركي حتى لا تبقى حبيسة تنظيم إسلامي (دعوي أو سياسي أو "جهادي")، لا يمكن أن يقبل بأي خطاب نقدي يصدر عن الجابري أو طه أو أركون أو المسيري..).
شملت المداخلات النقدية أداء المؤسسات الدينية الرسمية، وأداء مختلف الحركات الإسلامية، وأداء أهل الإسلام النظري، كما شملت طبعا أداء التيارات السلفية والطرق الصوفية..
ونحسبُ أن من يهمهم أمر ومستقبل هذه المؤسسات (رسمية أو حركة، سلفية أو صوفية..)، سيستفيدون كثيرا لو تأملوا ثنايا النقاشات التي ميزت أشغال الندوة، بحكم أن مقتضيات "الغيرة الإسلامية ذات النزعة الإنسانية"، طغت بشكل كبير على طبيعة هذه المداخلات، بمعنى آخر، ينتمي أغلب الحضور، بشكل أو بآخر، إلى "تيار" إسلامي المرجعية، نقدي التوجه، يروم التأسيس لخطاب إسلامي لا يكتفي أو يراهن على نفع المسلمين وحسب، وإنما نفع الإنسانية جمعاء، أو "ينفع الناس". (فأما الزبد، فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس، فيمكث في الأرض" (الرعد، 17)، وفي آية أخرى: "وما أرسلناك إلى رحمة للعالمين" (الأنبياء، 107)، وليس رحمة فقط لآل قريش أو آل الجزيرة العربية أو أهل الوطن العربي أو أهل العالم الإسلامي)؛ وهذا ما عين ما لخصته مداخلة أحد المتدخلين: في الحاجة إلى تأسيس "حركة نقدية دينية ذات أفق إنساني يمكن أن تنفتح على مجموعة من المشاريع الإصلاحية".
نورد من بعض خلاصات الندوة العناوين التالية:
"التديّن المغربي مُؤهل لأن يكون نموذجا يُحتدى به في المنطقة العربية على الأقل"؛
"ثمة فورة في الأعمال النقدية للباحثين المغاربة خلال السنين الأخيرة"؛
"من الضروري التفكير في احتضان الكفاءات العلمية المغربية بما يخدم المشروع الإصلاحي المغربي الفريد، وبما يؤهله لأن ينعكس إيجابا عل دول الجوار، على الأقل في المنطقة العربية"..
وحتى لا يُصنف تمرير مثل هذه الخلاصات في خانة تمرير خطاب "العام زين"، ذلك السائد لدى العديد من الأقلام، بحسب انتماءاتها التنظيمية (الرسمية أو الفكرانية/الإيديولوجية)، وجبَ التذكير أن الورشة كانت مناسبة لتوجيه سهام النقد الصارم لبعض التحديات التي تواجه نمط التدين المغربي، ونخص بالذكر، ثنايا بعض المداخلات التي جاءت في الجلسة الثالثة (الإصلاح الديني في المغرب)، ومن بين مداخلات الجلسة، ما جاء في ورقة الباحث الشاب عبد العالي المتقي، ووحده عنوان المداخلة، يوجز أهمية التوقف عند أهم القواسم المشتركة للحضور المشارك، وطبيعة الأفق المعرفي لأغلب هؤلاء: "خطاب الإصلاح الديني في المغرب والأبعاد الغائبة".
الأبعاد الغائبة إذن، من بين أهم مفاتيح هذا اللقاء العلمي، والإحالة هنا على الأبعاد الغائبة في مشاريع الجميع: لدى أهل الإسلام النظري والإسلام الرسمي والإسلام الحركي.
ضمن عناوين بعض المداخلات، نستشهد بالتالي: المداخل الفكرية والأدوات المعرفية.. نحو رؤية تجديدية لمناهج التفكير في النص الديني، دور المؤسسات الدينية المغربية في تصحيح صورة النمطية للمرأة، الخطاب الديني ومشكلة الهوية بالمغرب، التجديد الإسلامي وإشكالية مصادر المعرفة الدينية، التصوف والنزعة الإنسانية: حدود الإمكان ومآلات التوظيف، القراءات الحداثية وعوامل حضور المناهج الغربية، الفكر الإسلامي وسؤال الأنوار، النزعة الإنسانية في التداول الفكري الإسلامي، الحرية والإسلام: التباسات المفهوم والعلاقة.. وغيرها من العناوين التي حظي معظمها بفورة من الملاحظات النقدية، سواء في فترة النقاش وطرح الأسئلة على المتدخلين (وصل عددهم إلى 28 محاضر/محاضرة بالضبط)، أو في أشغال الورشات الثلاث التي اختتمت بها أشغال اللقاء.

ومع أن أغلب المشاركين كانوا من المغرب، فإن اللقاء تميز بحضور مشاركين من بلدان مشرقية، وخاصة من سوريا والأردن ومصر، ومرد ذلك ــ بيت القصيد في الخلاصات سالفة الذكر، ما دامت المؤسسة المنظمة تبقى مشرقية المصدر ــ مرتبط بثقل بعض الأسماء المشاركة، ومن هنا إصرار الهيئة المنظمة، على أن يكون أول خروج علمي لها في العالم الإسلامي بالمغرب تحديدا، وليس في أي دول إسلامية أخرى.
وقد خصصت اللجنة المنظمة عنوانا إلكترونيا لمن يريد التواصل في إطار الانفتاح على طاقات أخرى، والمشاركة في أعمال بحثية قادمة في الطريق، ومن باب تحصيل حاصل، المشاركة في ندوات ولقاءات قادمة بحول الله:
mouminoun2012@hotmail.com
من الخلاصات المثيرة التي جاءت في نقاشات مفيدة مع مصطفى تاج الدين، تأكيده على أن "الإسلام التقليدي"، يبقى الأقرب إلى الترويج لمشروع إصلاحي يقفز على أعطاب باقي المشاريع الإصلاحية، وقد أسّسَ هذه الخلاصة بناء على تأمل تجارب العديد من فقهاء الأندلس..
واضح أن التوصل إلى مثل هذه الخلاصات من مراقبين في الخارج (نقصد الزملاء الباحثين في المشرق، كما جرى في هذا اللقاء)، يُغذي أحقية حديثنا في أكثر من مناسبة، عما قد نصطلح عليه بـ"فرادة نموذج التديّن المغربي الوسطي المعتدل" (دونما الارتهان لأي عقلية شوفينية متعصبة)، ليبقى أمامنا سؤال كبير، من المفروض أن يُطرح على الجميع: كيف نحافظ على تميّز هذا النموذج الفريد من التديّن، بالنظر إلى ثقل التحديات العقدية والمذهبية والسلوكية التي تواجهه اليوم؟
إنها مسؤولية أهل النظر.

0 التعليقات:

Enregistrer un commentaire