lundi 28 mai 2012

تحقيق: الفَقْر ليسَ عاملاً وحيداً في جُنوح الفتَيات لامْتهَان الدَّعَارة


تحقيق: الفَقْر ليسَ عاملاً وحيداً في جُنوح الفتَيات لامْتهَان الدَّعَارة


تلوح في أفق أقدم مهنة في التاريخ أكثر من إشارة مطمئنة بأيام رخاء، فرغم أن حي البوسبير المعروف بمواخيره وأنشطة الدعارة المقننة التي احتضنها في عهد الحماية الفرنسية بالمدينة القديمة في البيضاء حيث كان المكان محجًّ الباحثين عن اللذة، لم يعد له وجود، إلا أن تجارة الجنس ما تنفك رقعتها تتسع في جميع مدن البلاد.
ويروي شاهد ستيني في هذا المضمار، كيف كان من غير الممكن خلال فترة السبعينيات إيجاد حي ليس به ماخور تديره وسيطة دعارة تعمل على استقبال الزبناء طيلة اليوم، ولم يكن الأمر يكلف وقتئذٍ أزيد من عشرة دراهم، فيما دأب الفتية على طرق أبواب تلك المواخير بغية عيشِ تجربتهم الجنسية الأولى، كما كانت العاهرات أيضاً بالفنادق. وقد كانت الوسيطة تقدم للزبون مومسات على حظ متفاوت من الجمال لتدع أمر الاختيار له حتى يتناول من تروق له، وتشمل عروض الوسيطة حتى الفتية"، رغم أن القانون يحظر الدعارة كما الشأن في أيامنا هذه، مع التأكيد أن تطبيقه كان يتم بحزم في تلك الفترة، وإن كان الفقر وغياب الاستقرار سببين جوهريين في الظاهرة فإنهما ليسا بالعاملين الوحيدين.
بيدَ أن موطن الجدة في مزاولة أقدم مهنة في التاريخ ابتداءً من القرن الحادي والعشرين هو أنها أضحت تجارة مربحة وطريقا قصيراً نحو الاغتناء، لمن يعرضون أو يعرضن أجسادهم كسلعة في سوق يزداد فيها الطلب أكثر فأكثر.
علماً ان الأخلاق تشجبُ ممارسة الدعارة، ويبغضها الدين ويحظرها القانون، كما هو متضمن من الفصل 479 حتى الفصل 504 من القانون الجنائي حيث يعاقب على ذلك بعقوبة حبسية تتراوح بين عامين وعشرة أعوام، إضافة إلى غرامات من 5000 إلى مليون درهم.
فالمومس تعاقب بمعية الزبون حسب الفصل 490 من القانون الجنائي، الذي يرى في كل علاقة جنسية خارج إطار الزواج بين رجل وامرأة عهرا يعاقب عليه بعقوبة حبسية نافذة من شهر إلى سنة واحدة، وإن كان طرفٌ من بين طرفي العلاقة الجنسية متزوجاً يتم تطبيق الفصل 491 الذي يعاقب على الخيانة الزوجية بالحبس من سنة واحدة إلى سنتين، ويتم إيقاف المتابعة في حال تنازل الشريك عن الدعوى، كل هذا في غضون غياب دراسة علمية تنير جوانب الموضوع، إذ لا تتوفر أي إحصاءات رسمية بخصوص من اتخذوا الجنس تجارةً.
وفي ظل غياب إحصاءات رسمية، لا توجد إلا أرقامٌ تقدمها بحوث أنجزها طلبة حول الموضوع والتي تظهر إجمالاً ممارسة الدعارة في كافة ربوع البلاد، ومكمن جدتها يقبع في تغير شكل الممارسة، فإن كان الفقر وانعدام الاستقرار عاملين رئيسيين في الغالب الأعم، فإن الأمور تطورت في السنوات الأخيرة مع مجتمع استهلاكي أضحى يخلق الإحباط شيئاً فشيئاً" في النفوس كما يذهب إلى ذلك عالم الاجتماع جمال خليل. فالظاهرة أصبحت تطال مختلف الشرائح الاجتماعية بما في ذلك الأوساط الطلابية، والفقر لم يعد بمثابة العامل المحرك والأساس.
وحريٌّ بالإشارة أن الأرقام المتوفرة ثمرةُ عمل جمعيات مكافحة السيدا، إذ تعلم الجمعيات الناشطة في هذا الصدد أن الدعارة مكمن الداء والمسبب الرئيس للمرض، والبحوث التي تجريها في السياق ذاته غنية من حيث المعلومات، وقد أظهر تحقيق أعدته المنظمة الإفريقية لمكافحة السيدا عام 2008 حقائق صادمة، بدءً بحداثة سن المومسات بناءً على استقراء عينة مكونة من خمسمائة عاملة جنس، والذي كشف أن 36% منهن قد أقمن علاقة جنسية في الفترة العمرية الممتدة بين 6 و 15 عاماً ( وهنا نتساءل عن إمكانية إقامة علاقة جنسية في هذا العمر)، فيما تم دفع أجر 59.4% منهن لقاءَ ممارسة الجنس حينما كنَّ بين التاسعة والخامسة عشرَ عاماً، في حين أكدت 90% منهن حسب التحقيق ذاته أنهن التحقن بالمهنة قبل ربيعهن العشرين، علاوة على ذلك أظهر التحقيق أن 13% من العينة المشمولة بالبحث عذراوات صغيرات مورس عليهن جنس شرجي بإتيانهن من الدُّبر.
دعارة الذكور..آخذة في التفشي
جدير بالذكر أن الدعارة لا تختص بالإناث وحدهن، فحتى الذكور أصبحوا يحاولون إيجاد موطئ قدم لهم في الميدان، لكن زبناء هذه الفئة من طينة مختلفة، فهم فئة من الرجال الذين يميلون إلى أمثالهم جنسيا أو ممن يتشبهون بالنساء، إذ يقول فلة واسمه الحقيقي محمد "إننا لا ننافس صديقاتنا من المومسات". ويتألف الزبناء من مزدوجي الجنس والمخنثين فضلاً عن أشخاص ثملين إلى درجة لا يفرقون فيها بين رجل وامرأة" يقول فلة بنبرة مسلية، والثمن في ذلك يختلف باختلاف الزبون متراوحا ما بين 50 و200 درهم فضلاً عن توقف المسألة على الحالة الجسدية للمخنث وعلى جيب الزبون.
أما في حديقة الجامعة العربية والبولفار بالدار البيضاء فأسعار المخنثين تبدو منخفضة، حيث يتعرض المذكورون في الغالب لاعتداءات من قبل المتشردين أو يتم التقاطهم في حملات الشرطة، بينما تتم الممارسة في أماكن بعيدة عن الأنظار كالحدائق، أو أسفل العمارات أو في ظلام درب أو زقاق.
وعموماً، يبقى التفاهم سائداً بين المخنثين والنساء بحيث لا يدخلون في غمار المنافسة، وهنا يقول فلة إنه يحصلُ أن يعطي رقم هاتف صديقة من صديقاته المومسات لزبون يبحث عن امرأة، مذكرا أنه لا ينبغي إغفال ما مؤداه" أننا معا في المركب نفسه، مما يفرض علينا أن نمد يد العون لبعضنا البعض" يردف فلة.
ربورتاج: 47% من النساء يرين في بيع أجسادهن مسألة خيار..
شمل التحقيق الذي أنجزته المنظمة الإفريقية لمكافحة السيدا عام 2008 عينة من 500 مومس بسبع مدن مغربية هي: أزرو، وخنيفرة، وبني ملال، ومكناس، وفاس، وأكادير، والرباط.
السن: 243 منهن يتراوح سنهن بين 21 و30 سنة. و81 منهن بين 16 و 20 سنة. وما تبقى من العينة لا تتخطى أعمارهن 35 عاماً. ناهيك عن الفتيات اللائي تقل أعمارهن عن 15 ربيعاً وانخرطن في المهنة. فبتجاوز الخامسة والثلاثين من العمر تختفي نضارة الوجه تحت تأثير الليالي البيضاء والكحول والمخدرات، والمحظوظات منهن من يتحولن إلى وسيطان دعارة أو يصبحن مالكات لبيوت يكرينها لعاهرات في مقتبل العمر.
محل الإقامة: 45.5% منهن يعشن بعيداً عن عائلاتهن، سواءً مع شريك أو برفقة ممتهنات الجنس، داخل ماخور تديره وسيطة أو بمفردهن. فيما أكدت 226 عاهرة من أصل 500 تم استجوابهن أنهن أولات أطفال بما يفاقم النفقات في وقت يندر أن تتعدى أجرة الواحدة منهن خمسين درهماً.
المستوى الدراسي: 31.5% منهن لم يسبق وأن ذهبن إلى المدرسة، لكن المدهش هو أن 21.1% تابعن دراسات عليا بل وفي حوزتهن شهادة.
50 زبونا للأسبوع: 483 من المستجوبات أكدن أنهن يقمن علاقات جنسية قد تصل الخمسين علاقة في بحر الأسبوع الواحد. و39.5% مطلقات، و4% منهن متزوجات ويمارسن العهر بتخفِّ لسد حاجيات العائلة.
الدعارة خيار: 261 من ممتهنات الجنس أبدين استعدادهن لترك المهنة، فيما رأت 47% منهن أن الدعارة مسألة خيار.
وفي الوقت الذي تعتبر فيه 52.8% منهن الدعارةَ عملاً مؤقتاً. فإن 233 مستجوبة تنظرُ إلى امتهان الجنس باعتباره نشاطاً دائماً.
وقاية: 43.5% من المومسات لا يأخذن بأسباب الوقاية لسبب أو لآخر، فالوقاية نوع من البذخ في نظرهن بسبب غلاء الواقي الذكري.
جمال خليل: تعاطي الدعارة قد يكون أيضا لأجل الحصول على ملابس جميلة ومجوهرات وسيارات...
هل هناك صفات محددة لمن يقصدون بائعات الهوى؟
في المدن الكبرى، هناك العديد وكل حسب إمكانياته، في المرتبة الأولى يأتي عمال المصانع، العازبون أو المتزوجون ممن يقصدون بائعات الهوى لإشباع رغباتهم، بالنسبة للعازبين يتعلق الأمر برغبة جنسية طبيعية، أما المتزوجون فيبحثون عن لذات لا يجدونها مع زوجاتهم. وهناك أيضاً الشباب ومن بينهم مراهقون يسعون إلى خوض غمار أول تجربة جنسية مع عاهرة، ويحل في مقام ثالث الأطر أو رجال منحدرون من الطبقة الوسطى، من المتزوجين وغيرهم الذين تحدوهم رغبة للدخول في مغامرات جنسية، نجدهم في الحانات والعلب الليلية حيث يقيمون في جلسات يقارعون فيها الراح علاقات مع مرتادات المكان. ونجد في الختام، الدعارة الراقية التي يدير ممارستها وسيط شبكات عاهرات يملكن شققاً أو فيلات، ويعملن على تصيد فئة الأثرياء من الكرماء، وقد يكون الزبناء مغاربة كما قد يكونون أجانب يأتون إلى المغرب لسبب أو لآخر ويفضلون قضاء مدة إقامتهم مرفوقين بمومسات.
الفقر بالنسبة للفتاة ليس سبباً وحيداً..
من الفتيات من تلجأ من حين لآخر إلى خوض مغامرات جنسية لجني المزيد من المال من حين لآخر قصد تدبر أمورها حتى متم الشهر. وهاته الفئة لا يصح اعتبارها من العاهرات بالرغم من طفو خشية وقوعهن في شراك الأمر على السطح، فبإمكان علاقتين أو ثلاث أن تضاعف رواتبهن.
وإن كان الفقر يبقى بكل تأكيد عاملاً يدفع إلى امتهان الدعارة، كما هو الشأن بالنسبة لنساء يئنن تحت وطأة الحاجة ولا يجدن سبيلاً لسد حاجيات أسرهن سوى عرض أجسادهن للبيع، فإن المجتمع المغربي أصبح مجتمعاً استهلاكيا، ففي الوقت الذي يتباهي فيه مغاربة أغنياء بثروتهم يتملك الآخرين إحساس بالحاجة إلى محاكاتهم. قائلين: لماذا لا نكون نحن أيضا مثلهم؟ باعتبار التفاوت بين شرائح المجتمع عاملاً يولد الإحساس بالإحباط.
ومن ثمة يغدو الباب مشرعاً أمام كل شيء من شأنه أن يجلب المال.

0 التعليقات:

Enregistrer un commentaire