على خلفية محاكمة مغني الراب معاذ بلغوات " الحاقد" الناشط في حركة 20 فبراير والتي اعتبرتها جمعيات ومنظمات حقوقية دولية ووطنية جائرة في حقه وقمعا للحريات الفردية في ظل الدستور الجديد.
وفي سياق محاكمة الحاقد خرج وزير العدل والحريات مصطفى الرميد عن صمته رافضا اعتبار اعتقال ومحاكمة الحاقد، قضية تتعلق بحرية الرأي والتعبير.
وكانت محكمة في الدار البيضاء حكمت يوم الجمعة الماضي، على معاذ بلغوات، الذي اشتهر باسم أغنية يرددها تعرف باسم «الحاقد»، بالسجن مدة سنة، وأداء غرامة قدرها ألف درهم (120 دولارا)، حيث وجهت له تهمة الإساءة إلى رسميين وجهاز الشرطة، عبر فيديو كليب.
وسبق لبلغوات أن حكم عليه بالسجن مدة ثلاثة أشهر، بتهمة الاعتداء بالضرب على شخص.
وقال الرميد إن اعتقال بلغوات تم بناء على شكوى تقدمت بها ضده «إدارة الأمن الوطني» (جهاز الشرطة) بسبب أغنية أصدرها تسيء إلى رجال الشرطة. وكانت فوزية لبيض، وهي نائبة برلمانية من حزب الاتحاد الدستوري المعارض، قد انتقدت مساء أول من أمس اعتقال مغني الراب أثناء مناقشة ثلاثة قوانين عرضت على لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان في مجلس النواب.
ورد الرميد بانفعال، وقال إن «الحاقد» مثل أي مواطن يخضع للمحاكمة، وتساءل: «هل هو محصن حتى يقال إنه ليس لنا الحق في محاكمته؟»، وأوضح أن القضية بنيت على شكوى تقدمت بها إدارة الأمن إلى النيابة العامة بمدينة الدار البيضاء لأن «الحاقد» أنتج أغنية فيديو كليب مسيئة لرجال الشرطة وفيها ألفاظ بذيئة. وأضاف: «هل عندما يقال مثل هذا الكلام في حق هيئة معينة يدخل في إطار حرية التعبير». وقال الرميد موجها كلامه للبرلمانيين: «هل تقبلون أن يقال هذا الكلام في أحد منكم؟»، وزاد قائلا إن «حرية التعبير واسعة، وأنا هنا وزير العدل والحريات، وأخوض معركة توسيع الحريات كما تخوضونها أنتم، وربما أكثر مني، ولكن علينا أن نتفق حول مفهوم حرية التعبير وما هو تجاوز لهذه الحرية، الذي لا يمكن أن نسمح به».
ومضى يقول: «المغني (الحاقد) لديه الحق في التعبير عن آرائه وسأكون أول المدافعين عن هذه الحرية»، مشيرا إلى أن حرية التعبير «مضمونة في البلاد إلى حد ما تسمح به ظروفنا، والحكومة عليها ضمان هذه الحرية، وإذا أخطأت بهذا الصدد من واجب البرلمانيين تقويمها». وقال الرميد في معرض رده: «نحن لدينا ملاحظات وأنتم كذلك (البرلمانيون) على أداء الشرطة، ومن حقكم انتقاد هذا الأداء كما تنتقدون أداء أي مؤسسة حكومية، لكن لن نسمح بالمس بأي مؤسسة؛ ومنها مؤسسة الأمن التي ينبغي أن نحميها». وأقسم الرميد أمام البرلمانيين أنه لم يتدخل من قبل في أي حكم قضائي ولن يتدخل مهما كان الأمر، وأنه لا أحد طلب منه حتى الآن التدخل في أي قضية.
وأضاف: «أنا الآن مرتاح جدا لأننا لسنا في وضعية حرج، وإذا ثبت أن أحد مساعدي اتصل بقاض من أجل قضية معينة، فأنا موجود».
وردا على سؤال يتعلق باستمرار «عمليات الاختطاف» في المغرب (اعتقال أشخاص من دون مبرر)، قال الرميد إنه يجب تحديد مفهوم الاختطاف؛ فالاختطاف هو اقتياد شخص معين إلى مكان مجهول غير خاضع لرقابة النيابة العامة، وأكد أنه لا يمكن اعتبار أن كل شخص تم إيقافه من قبل الشرطة، اختطف، وطلب من البرلمانيين تحري الدقة في مثل هذه القضايا، بيد أنه أضاف: «نحن لا ننزه أحدا، وما زلنا في مرحلة انتقالية، والدستور جرم الاختطاف، وما زالت أمامنا عدة قوانين للمصادقة عليها بهذا الشأن، ومع ذلك، كل شيء ممكن، وهذا يحصل حتى في البلدان الراقية جدا». وقال الرميد إن مسؤولا بإحدى الجمعيات الحقوقية اتصل به من قبل وأخبره عن اختفاء أحد الأشخاص فأمر بإجراء التحريات عنه لمعرفة مصيره.
وشدد وزير العدل والحريات على أن الحكومة المغربية «لن تسمح بممارسة التعذيب أو سوء المعاملة في مراكز الشرطة»، وقال إن أبواب الوزارة «مفتوحة لاستقبال أي شكوى في هذا الشأن، وستتحقق في الأمر وتتخذ الإجراء المطلوب في حالة حدوث أي تجاوز».
وردا على سؤال آخر يتعلق بالإجراءات التي يمكن أن تتخذ في حق القضاة الذين يخرقون القانون عمدا، قال الرميد إن «القاضي الذي يخرق القانون بطريقة متعمدة لا تقبل التبرير يخضع للمساءلة التأديبية من قبل المجلس الأعلى للقضاء»، بيد أنه أكد في المقابل أن «المساءلة لا تتم إذا كان الأمر يتعلق باجتهاد القاضي في تطبيق القانون بحسن نية حتى لو أخطأ هذا القاضي، فالمجلس الأعلى لا يتدخل إلا إذا تعلق الأمر بمستوى من التجاوز الجسيم للقانون»، على حد تعبيره.
وبخصوص الأجندة الزمنية لإصدار القوانين المتعلقة بمجال القضاء، رجح الرميد أن يتم الشروع في ذلك في غضون العام المقبل، لأن هذه السنة ستخصص للحوار الوطني حول إصلاح القضاء الذي «ستكون نتائجه بمثابة البوصلة التي سترشدنا إلى التوجهات التي ستعتمد في هذه المجال»، على حد قوله.
يذكر أن ثلاثة مشاريع قوانين عرضت أول من أمس (الثلاثاء) على لجنة العدل والتشريع؛ الأول يتعلق بالموافقة على الاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري التي صادقت عليها الحكومة المغربية أخيرا، أما المشروعان الآخران فيتعلقان بمشروع القانون المتعلق بتنظيم قضاء القرب وتحديد اختصاصاته، وكذا مشروع قانون المسطرة المدنية، حيث أدخل تعديل على مادة واحدة في القانونين، بحيث ستصدر الأحكام «باسم الملك وتطبيقا للقانون»، وليس باسم الملك فقط كما كان في السابق.
0 التعليقات:
Enregistrer un commentaire